مسجد بن يوسف في مراكش: تحفة معمارية وتاريخية

في قلب المدينة العتيقة بمراكش، يقع مسجد بن يوسف كأحد أبرز المعالم الدينية والمعمارية في المغرب. خلف جدرانه المزخرفة، تمتد قصة تعود لأكثر من تسعة قرون، جمعت بين العبادة والعلم، والفن والتاريخ. ليس مجرد مسجد، بل نقطة مرجعية لفهم العمق الحضاري لمراكش، وواحد من أبرز المواقع التي لا تكتمل الزيارة دون المرور بها.

مسجد بن يوسف في مراكش المغرب
مسجد بن يوسف في مراكش المغرب

حكاية الاسم والبناء: من يوسف الأب إلى علي الابن

تبدأ قصة المسجد مع يوسف بن تاشفين في أواخر القرن الحادي عشر (حوالي 1070م)، قبل أن يقوم ابنه علي بن يوسف بتوسيعه عام 525 هـ (1131م). في بدايته، عرف باسم مسجد السقاية، نسبة إلى نافورة رخامية كانت تزيّن فناءه. وبعد التوسعة، أصبح يعرف بـمسجد الساقية، وما زال سكان المدينة يسمّونه حتى اليوم بـمسجد علي بن يوسف.

تحوّله إلى مركز فكري نشط

على مرّ القرون، تجاوز مسجد بن يوسف دوره الديني، ليتحول إلى مركز فكري وتعليمي. فقد استقطبت دروسه طلابًا من مختلف مناطق المغرب والأندلس وشمال أفريقيا. وبجواره، تم تشييد مدرسة بن يوسف التي أصبحت من أبرز مؤسسات التعليم الإسلامي في المنطقة، وهكذا تشكّل مجمّع ثقافي وروحي مميز في تاريخ المدينة.

مسجد بن يوسف في مراكش المغرب

اقرأ أيضاً : مراكش المغرب .. مدينة الالوان والنخيل

تفاصيل معمارية تنطق بالدقة والمهارة

منذ لحظة الدخول، تتجلى العناية الفائقة في كل جزء من المسجد:
• تزدان الواجهة بزخارف حجرية مغربية، مع بوابة كبيرة تحيط بها أعمدة من الرخام الإيطالي.
• تحيط القاعة الكبرى للصلاة أروقة وأعمدة بيضاء، تعلوها سقوف خشبية منقوشة، ومضاءة بثريات تقليدية.
• تزين آيات قرآنية بخط عربي أنيق المحراب، محاطة بنقوش نباتية وهندسية.
• يصنع المنبر من الخشب النادر ومرصّع بالعاج، ما يجعله تحفة فنية قائمة بذاتها.
• يضم الصحن الداخلي فناءً رخاميًا تحيطه أقواس توفّر ظلالًا مميزة.
• تعد القبة المرابطية، أو قبة الوضوء، من أقدم القباب الإسلامية الباقية من عهد المرابطين.
• بنيت المئذنة من حجر “إيجيليز”، وتصميمها يشبه مئذنة مسجد قرطبة، في إشارة يُعتقد أنها مقصودة.

مسجد بن يوسف في مراكش المغرب

مسار الترميم والتجديد عبر العصور

شهد المسجد مراحل متعددة من الترميم وإعادة البناء. بعد دخول الموحدين إلى مراكش عام 1147م، أعادوا توجيه المحراب نحو القبلة، وعدّلوا موقعه وشكله الخارجي دون تغيير اسمه الشعبي.

في عام 1563م، أمر السلطان السعدي عبد الله الغالب بتجديد المسجد وربطه بالمدرسة المجاورة. و بعد ذلك، وفي مطلع القرن التاسع عشر، أعاد السلطان العلوي سليمان بن محمد بناء المسجد، واكتملت مئذنته حوالي عام 1819م.

كل مرحلة أضافت للمسجد عناصر معمارية جديدة، دون أن تمحو بصمات العصور السابقة، مما جعله نموذجًا متكاملاً لتطور الطرز المعمارية المغربية.

نصائح لزيارة مريحة ومثرية

زيارة مسجد بن يوسف تتيح فرصة لاكتشاف أحد أبرز المعالم التاريخية في المدينة. وللاستفادة القصوى منها، ينصح بما يلي:

  • الوصول في ساعات الصباح الباكر أو بعد الظهر يساعد على تفادي الزحام والحرارة.
  • ارتداء الملابس المحتشمة ضروري احترامًا لطبيعة المكان.
  • التصوير داخل قاعات الصلاة ممنوع دون إذن واضح من المشرفين.
  • تجربة أعمق تتطلب الانضمام إلى جولة بصحبة مرشد.
  • يفضل تخصيص وقت لزيارة مدرسة بن يوسف القريبة، والتجوّل في أسواق المدينة العتيقة المجاورة.

موقع ينبض بالتاريخ والهوية

زيارة مسجد بن يوسف لا تقتصر على مشاهدة عناصر معمارية فريدة، بل تتيح التواصل مع مراحل متعددة من تاريخ مراكش. كل جدار يحكي قصة، وكل تفصيل معماري يحمل دلالة. إنه نموذج حيّ للتكامل بين الدين والعلم، والتقاليد والحداثة، ضمن بيئة حضرية ظلت محافظة على طابعها الأصيل عبر القرون.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!