في قلب جبال الأطلس الكبير، وعلى بعد نحو 76.5 كيلومترًا من مدينة مراكش، تتربّع أوكايمدن كجوهرة شامخة تأسر الزائر منذ اللحظة الأولى. على ارتفاع 3200 متر، حيث تعانق القمم الغيوم وتداعب الثلوج سفوح الجبال، يكشف هذا المنتجع الفريد عن وجهٍ مغربي لا يشبه سواه: وجهٌ شتويّ ساحر وصيفيّ نابض بالحياة.

جدول المحتويات
ما الذي يجعل أوكايمدن مختلفة عن أي وجهة أخرى؟
أوكايمدن ليست مجرد موقع للتزلج، بل تجربة متعددة الأوجه. هنا، تمتزج التضاريس الجبلية القاسية بروعة الغابات والأودية، ويتناغم بياض الثلوج مع دفء الثقافة الأمازيغية. من نوفمبر حتى أبريل، تغطي الثلوج الجبال لتشكل أكبر وأفضل محطة تزلج في إفريقيا، تمتد على مساحة 300 هكتار، وتضم ستة مصاعد صغيرة وعربات تيليسييج (الكرسي المعلّق) تُعد الأعلى في المنطقة، إضافة إلى أماكن مخصصة لتأجير وتجهيز معدات التزلج.
لكن التميّز لا يتوقف عند الرياضات الشتوية، فأوكايمدن تحتفظ بسحرها على مدار العام. في الربيع والصيف، تتفتّح أزهار النرجس البري وتظهر بساتين الفاكهة بين الصخور، فيما تتحول المنحدرات إلى مسارات مشي وتسلق تغري عشاق المغامرة.

كيف تصل إلى هذا العالم الجبلي الساحر؟
تنطلق الرحلة من مراكش باتجاه الجنوب، عبر السهول وبساتين الزيتون، ثم تبدأ الطرقات في الالتواء بين الجبال، لتأخذك تدريجيًا من دفء المدينة إلى برودة القمم. تستغرق الرحلة بالسيارة أو سيارة الأجرة ما بين ساعة وساعتين، بينما تكشف النوافذ عن مشاهد بانورامية تأسر القلب قبل الوصول.
أوكايمدن في الشتاء: الفردوس الأبيض لعشاق التزلج
من ديسمبر إلى مارس، تتحوّل أوكايمدن إلى وجهة أولى لعشاق التزلج في المغرب، سواء كانوا مبتدئين أو محترفين. تغطي الثلوج المنحدرات بأناقة، وتمنحهم المرافق المتطورة تجربة لا تنسى. يمكنك التزحلق بالعربات الثلجية، أو ارتداء أحذية الثلج والانطلاق في نزهة بيضاء وسط الجبال.
ولمحبي التجارب المميّزة، توفر المنطقة جولات تزلج بانورامية، ومغامرات بالطيران المظلي فوق القمم، ورحلات لصيد سمك الشبوط على ضفاف البحيرة الصغيرة، حيث تعكس المياه الصافية عظمة الجبال المحيطة.

صيف أوكايمدن: حين تذوب الثلوج وتنبض الطبيعة بالحياة
مع انحسار الثلوج، تكتشف أوكايمدن وجهًا جديدًا: وجه المغامرة الخضراء. هواة المشي الجبلي يجدون هنا مسارات تحفها الأزهار والنباتات النادرة، ومتسلقو الصخور يتحدّون آلاف الصخور الموثقة منذ السبعينيات، والتي تحولت إلى وجهة دولية لهواة التسلق.
أما مراقبو الطيور، فلهم موعد مع سماء تعج بأنواع نادرة ذات أسماء ساحرة، تتنقل بين أغصان العرعر والصنوبر، وكأنها تعزف سيمفونية طبيعية لا تتكرر.

تاريخ منقوش على صخور الزمن
ليست الطبيعة وحدها من يروي قصة أوكايمدن، بل الصخور أيضًا تنطق بتاريخها. نقوش صخرية عمرها أكثر من 2500 سنة قبل الميلاد تشهد على وجود بشر عاشوا هنا في عصور ما قبل التاريخ. عند مدخل المنتجع، تبرز منحوتات على صخور الحجر الرملي الأحمر، تعكس تواصلًا قديمًا بين القارات، وتؤكد أن هذه الأرض كانت وما زالت مفترق طرق حضارية.
ما الذي يضفي على التجربة طابعها الإنساني الأصيل؟
أهل المنطقة، المنحدرون من الجذور الأمازيغية، لا يزالون يحتفظون بتقاليدهم ولهجتهم وملابسهم ومأكولاتهم. يمكن للزائر أن يكتشف هذا التراث من خلال زيارة القرى المحيطة. وتذوق الطواجن الساخنة في مطاعم تقليدية تنبض بالأصالة، وتجعلك تنسى أنك لا تزال في المغرب، بل في عالم آخر.

كل ما تحتاج معرفته قبل زيارتك
- الإقامة: تتوفر خيارات متنوعة من الفنادق والشاليهات وبيوت الضيافة التقليدية.
- المناخ: صيف دافئ وقصير. وشتاء طويل تتساقط فيه الثلوج بكثافة لأكثر من 120 يومًا.
- أفضل وقت للزيارة: الشتاء (ديسمبر – مارس) لعشاق الرياضات الثلجية. والربيع والصيف (أبريل – أكتوبر) لمحبي الطبيعة والمغامرة.
- نصائح مهمة: ارتدِ ملابس مناسبة للطقس الجبلي. ولا تنسَ أحذية المشي، والماء، وواقي الشمس، خاصة إذا كنت تخطط لرحلة طويلة وسط الطبيعة.

تجربة لا تُنسى
في أوكايمدن، لا تكتفي بمشاهدة الجمال، بل تعيشه. إنها وجهة تعيد تعريف معنى السفر، حيث تلتقي المغامرة بالتاريخ، والثقافة بالطبيعة. سواء كنت تبحث عن الثلوج أو الشمس، عن التسلق أو التأمل، فإن هذه الجبال ستمنحك تجربة تبقى في الذاكرة… وتدفعك إلى العودة من جديد.
