قصر الباهية بمراكش: عندما تنطق الجدران بفخامة الماضي

في قلب المدينة الحمراء، بين الأزقة الضيقة وعبق التاريخ، يتربع قصر الباهية كتحفة معمارية آسرة، تنطق بجمال العمارة المغربية وتفاصيلها المبهرة. زيارة هذا القصر ليست مجرد جولة عابرة، بل تجربة غنية تغوص بك في عمق التاريخ المغربي، وتفتح أمامك أبواب قصر كان شاهدًا على ترف البلاط المغربي ونمط حياة الملوك والوزراء في القرن التاسع عشر.

لمن سمي هذا القصر البديع؟

قصر الباهية لم يحمل هذا الاسم صدفة، بل اختاره أحمد بن موسى – المعروف بـ”با حماد”، الصدر الأعظم للسلطان عبد العزيز – تيمنًا بإحدى زوجاته المفضلات. بدأ بناء هذا القصر في ستينيات القرن التاسع عشر على يد والده سي موسى، الوزير الأكبر للسلطان الحسن الأول، ثم تولى أحمد بن موسى توسيعه وتزيينه بعد وفاة والده، مستعينًا بأمهر الحرفيين من مكناس وفاس ومختلف ربوع المغرب. وقد استمرت أعمال التوسعة حتى وفاته عام 1900. لم يكتمل المشروع تمامًا، لكنه بقي شاهدًا على عظمة العصر ومهارة الصناع المغاربة.

قصر الباهية لا يشبه أي قصر آخر

ما يميز قصر الباهية هو طابعه العضوي، إذ لم يُبنَ وفق مخطط معماري موحّد، بل أضيفت إليه الأجنحة والفناءات تدريجيًا، مما أضفى عليه تنوعًا لافتًا وتفاصيل غنية. كذلك يعكس تصميمه مزيجًا أنيقًا من العمارة الإسلامية والمغربية والأندلسية، حيث تلتقي الرياضات الواسعة، والنوافير الهادئة، والأروقة الرخامية، مع النقوش الجبسية والزليج الملوّن، والأسقف الخشبية المطلية بدقة فنية بالغة.

جولة في قلب القصر: أجنحة وساحات تحبس الأنفاس

بين أروقة القصر تتنقل من فناء إلى آخر، وكل زاوية تحكي قصة. في الرياض الكبير، وهو أكبر فناءات القصر، ستجد بلاطًا رخاميًا أبيض وأسود، تتوسطه نافورة أنيقة، محاطة بأشجار الحمضيات والنخيل. أما فناء الحريم، فقد خصّص لنساء القصر، ويتميز بجوّه الهادئ ونوافيره الصغيرة.

ستقف طويلًا أمام قاعة المجلس، المزينة بالزليج والجبص، والمطعمة بخشب مطلي ومزخرف بألوان فاخرة، وقد استُخدمت سابقًا لاستقبال الضيوف الرسميين, كذلك سيدهشك الرياض الصغير بتفاصيله الدقيقة. إذ يحاكي تصميم المدارس العتيقة، وتنبع فيه نافورة وسط أربعة أحواض مائية تحيط بها أفاريز خشبية مزينة.

ولا يمكن تجاهل الساحة الشرفية، الأكبر حجمًا داخل القصر، والتي تحيط بها 52 عمودًا خشبيًا، وغالبًا ما تستضيف فعاليات ثقافية ومعارض فنية وحفلات موسيقية.

التفاصيل التي لا تراها إلا هنا

من أبرز ما يثير الإعجاب داخل القصر، القاعة الشمالية التي تطل نوافذها على حديقة أندلسية، وجدرانها مغطاة بالزليج الملوّن، بينما تتزين أسقفها بلمسات فنية على الطراز الإيطالي. إلى جانبها، تقع القاعة الكبرى التي شهدت تحولات معمارية كثيرة، وكانت تستخدم في المناسبات الهامة. أما الأجنحة التي أقام فيها ضباط الاستعمار الفرنسي، فظلت شاهدة على فترة حساسة من تاريخ المغرب.

واحات خضراء تنبض بالحياة

لا تكتمل زيارتك لقصر الباهية دون التجول في حدائقه الغناء. الأشجار الوارفة، وأزهار البرتقال العطرة، والبرك المائية، والنوافير المتدفقة، كلها تخلق جوًا من السكينة يسرقك من صخب المدينة. ومن وسط هذه الطبيعة، يبرز صهريج “أكدال با حماد” كواحة مائية تضفي مزيدًا من الروعة على المكان.

ما الذي يجعل قصر الباهية محطة لا تفوّت؟

يعد القصر أحد أهم المزارات السياحية في مراكش بفضل تصميمه الفريد وتاريخه العريق. إنه فرصة حقيقية لاكتشاف أسرار فنون الزخرفة المغربية الأصيلة، والتأمل في جماليات العمارة التي تجاوزت الزمن, كما يعد مصدر إلهام دائم للفنانين والمهندسين ودارسي التراث.

معلومات عملية للزائر

• الموقع: في قلب المدينة القديمة، بحي رياض الزيتون، قريب من ساحة جامع الفنا ومسجد الكتبية وضريح السعديين.

أوقات العمل

يفتح قصر الباهية أبوابه من الساعة 8:00 إلى الساعة  5:00 مساءً يومياً

  • مدة الزيارة المثالية: خصص من ساعتين إلى ثلاث ساعات للاستمتاع بجميع زواياه وهدوء حدائقه.
  • كيفية الوصول: يمكن الذهاب إليه سيرًا من المدينة القديمة. أو عبر التاكسي أو العربات التقليدية (الكوتشي).
  • الجولات الإرشادية: متوفرة داخل القصر مقابل رسوم إضافية. وتعد خيارًا ممتازًا لفهم السياق التاريخي والفني.

نصائح عامة

  • يفضل ارتداء ملابس مريحة ومحتشمة.
  • لا تنسَ القبعة والواقي الشمسي، خصوصًا في فصل الصيف.
  • التصوير مسموح، لكن ينصح دائمًا بالتحقق من القواعد المحلية.
اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!