المتحف الوطني السعودي: حيث تهمس الرمال بقصص التاريخ

في قلب العاصمة الرياض، وتحديدًا ضمن مركز الملك عبد العزيز التاريخي، يتربع المتحف الوطني السعودي على مساحة تُقدّر بـ 17,000 متر مربع، كأيقونة ثقافية تأخذك في رحلة آسرة عبر الزمان، من نشأة الكون إلى توحيد المملكة. افتُتح المتحف عام 1999م، تزامنًا مع الذكرى المئوية لتأسيس المملكة، ليكون نافذة تطل على عمق الجزيرة العربية وحكاياتها الخالدة.

من فكرة إلى هيبة: معمار يستوحي الصحراء

لا شيء في تصميم المتحف وُجد صدفة. استلهم المعماري الكندي رايموند مورياما تصميم المبنى من الكثبان الرملية الحمراء التي تزيّن أطراف الرياض. وقد منحه شكل هلال يتجه غربًا نحو مكة المكرمة.

هذا التكوين المعماري لا يقتصر على الجمال، بل يعكس هوية المكان الإسلامية والثقافية. يمتد المتحف بجناحين: شمالي يروي ما قبل الإسلام، وجنوبي يسرد مراحل التاريخ الإسلامي، وبينهما ردهة فسيحة تضفي إحساسًا بالسكينة والتأمل.

رحلة عبر الزمن: جولة لا تُنسى في ثماني قاعات

يأخذك المتحف في جولة بانورامية بين ثماني قاعات عرض رئيسية، رتبت زمنيًا لتروي لك فصولًا متتابعة من تاريخ الجزيرة العربية:

1. قاعة الإنسان والكون: هنا تبدأ المغامرة؛ من نيزك سقط في الربع الخالي، إلى مجسمات للنظام الشمسي، وتفاصيل عن تضاريس الجزيرة ونباتاتها، وختامًا بآثار الإنسان الحجري.

2. قاعة الممالك العربية القديمة: تستعرض حضارات سادت ثم بادت، مثل دلمون ومدين، ومدن مزدهرة مثل دومة الجندل ونجران، مع قطع أثرية نادرة تعود لأكثر من أربعة آلاف سنة.

3. قاعة العصر الجاهلي: توثّق الحياة قبل الإسلام من خلال مشاهد للأسواق القديمة كعكاظ والمجاز، ومدن مثل مكة وجرش وخيبر، ونماذج لتطور الخط العربي.

4. قاعة البعثة النبوية: تتجلى فيها سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، من شجرة نسبه، إلى لحظة نزول الوحي، وصولًا إلى الهجرة وبداية التحول التاريخي.

ومن لحظة الوحي وبداية التحوّل التاريخي، تنتقل إلى قاعة الإسلام وشبه الجزيرة، حيث تسرد مراحل انتشار الإسلام وتطوره الحضاري في المنطقة.

5. قاعة الدولة السعودية الأولى والثانية: تعرض فيها وثائق وتحف نادرة تسجّل تاريخ الدولتين السعوديتين، وما شهده من تحولات سياسية واجتماعية.

6. قاعة توحيد المملكة: تعيش فيها لحظات التأسيس على يد الملك عبد العزيز، من خلال فيلم وثائقي وعروض تفاعلية تخلّد رحلة التوحيد.

7. قاعة الحج والحرمين الشريفين: تختم جولتك بمشهد بصري مهيب لمكة والمدينة، مع مجسمات معمارية توضح تطور الحرمين الشريفين، في عرض يلامس الروح.

هل تساءلت يومًا ما الذي يسعى المتحف لتحقيقه؟

المتحف ليس مجرد مبنى يعرض تحفًا، بل يحمل رسالة وطنية عميقة. فهو يسعى ليكون مركزًا رئيسيًا للآثار في المملكة، وركيزة لتعزيز الهوية والانتماء من خلال الفهم العميق للتاريخ. كما يعد بيئة تعليمية متكاملة تناسب الأطفال والعائلات والباحثين، ويهتم بحفظ التراث الوطني وترميمه، وتنظيم المعارض التثقيفية والعلمية.

ما الذي ينتظرك أيضًا في المتحف؟

تتعدى التجربة في المتحف حدود المشاهدة، فهو يوفّر برامج تعليمية وورش عمل تفاعلية تناسب جميع الأعمار. المتحف يحتوي أيضا على قاعتين مخصصتين للمعارض المؤقتة، ومرافق خدمية مثل المقاهي ومتاجر الهدايا. كما يواكب المتحف الأعياد والمناسبات الوطنية بتنظيم فعاليات حيّة. في هذه المناسبات، يتحول بهو المتحف إلى ساحة نابضة بالعروض الفنية وأركان التصوير. مشهد تتعانق فيه الثقافة مع الفرح العائلي.

تقنيات حديثة وتجربة تفاعلية

لعلّ ما يجعل زيارة المتحف الوطني السعودي تجربة لا تنسى هو الدمج الذكي بين التاريخ والتقنية. يضم آلاف القطع الأثرية، تدعمها وسائط مرئية وصوتية ومجسمات تفاعلية، تجعل من التاريخ مغامرة حسية نابضة.

معلومات تهم السائح

  • الموقع: شارع الملك فيصل، حي المربع، الرياض
  • أوقات الزيارة: تختلف حسب الأيام والمناسبات، وينصح بالتحقق من الموقع الرسمي قبل الزيارة.
  • التذاكر: متوفرة إلكترونيًا أو عند المدخل، مع خصومات خاصة للطلاب والعائلات

نافذتك إلى روح الجزيرة

المتحف الوطني السعودي ليس مجرد متحف؛ إنه بوابة لروح الجزيرة العربية، ومكان يربط الماضي بالحاضر، ويزرع فيك دهشة لا تزول. إن كنت تنوي زيارة الرياض، فلا تفوّت الفرصة لتجربة تأخذك من أعماق الجزيرة إلى لحظات التأسيس التي شكّلت ملامح وطن بأكمله.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!