بيت بيروت و”ألو بيروت؟”: لقاء بين التاريخ والفن في مبنى بركات

يقع متحف “بيت بيروت” في قلب العاصمة اللبنانية، ليحكي قصة مدينة كانت شاهدة على أحداث مفصلية في تاريخ لبنان. تم تصميم هذا المعلم التاريخي من قبل المهندس المعماري يوسف أفتيموس في ثلاثينيات القرن العشرين، وأصبح اليوم متحفًا ومركزًا ثقافيًا يحتفى فيه بذاكرة المدينة وأحداث الحرب الأهلية التي عصفت بها.

التاريخ: من نشأة إلى معلم تاريخي

تم بناء “بيت بيروت” أو “مبنى بركات” في عام 1924 بتكليف من نيكولاس بركات وزوجته فيكتوريا، وصممه المهندس المعماري يوسف أفتيموس. كان المبنى في البداية مسكنًا لعدد من الأسر من الطبقة المتوسطة حتى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، حيث تحول إلى موقع استراتيجي للقناصة بسبب موقعه على الخط الأخضر، الذي قسم بيروت إلى منطقتين متناحرتين.

خلال الحرب، تعرض المبنى للتدمير نتيجة المعارك المستمرة، وأثر الإهمال على بنيته. ولكن في عام 1997، وبتدخل نشطاء التراث اللبناني، تم إنقاذ المبنى من الهدم. بعد ذلك، تدخلت بلدية بيروت وأصدرت مرسومًا يقضي بترميمه وتحويله إلى متحف ذاكرة ومركز ثقافي، ليصبح رمزًا للحرب الأهلية وذاكرة المدينة.

أعمال الترميم والتجديد

بدأت أعمال ترميم “بيت بيروت” بشكل جدي عام 2008 تحت إشراف المعماري يوسف حيدر، بالتعاون مع فريق فرنسي من المتخصصين في الحفاظ المعماري. وفي 28 أبريل 2016، فتح المبنى رسميًا للجمهور كمتحف يضم أرشيفًا حيًا لذاكرة بيروت.

وصف المبنى: مزيج من الجمال والوظيفة

مبنى بركات، الذي يعرف أيضًا بـ”البيت الأصفر” نسبةً إلى لون حجارته الكلسية، يتألف من طابقين رئيسيين، وتعلوه شرفات مدعّمة بأعمدة حديدية مطاوعة. تبرز على واجهاته ثقوب الرصاص التي تركتها الحرب، ولم تُخفَ عمدًا، لتبقى شاهدة على ما جرى. يتّصل المبنى بحديقة خلفية صغيرة، وكان يقع سابقًا بمحاذاة محطة ترام قديمة على طريق دمشق.

الوظيفة الثقافية والمتحفية

في إطار إعادة إعمار الذاكرة الثقافية، تحوّل “بيت بيروت” إلى مركز يُعنى بتوثيق تاريخ المدينة، ويبرز محطات رئيسية من تطورها العمراني والاجتماعي والسياسي. الطابق الثاني مخصص لمعرض دائم يوثّق بيروت منذ القرن التاسع عشر، عبر أرشيف مصور ووثائق أصلية. أما الطابق العلوي، فيستضيف فعاليات ثقافية وعروضًا فنية دورية، من محاضرات وعروض موسيقية إلى معارض معاصرة.

معرض “ألو بيروت؟”: حين تتحوّل الذاكرة إلى معرض

من أبرز الفعاليات التي احتضنها المتحف، معرض “ألو بيروت؟” (Allo, Beirut?) الذي أُقيم بين عامي 2022 و2023. قدّم هذا المعرض تجربة حسية شاملة توثّق التحولات الاجتماعية والثقافية في المدينة من ستينيات القرن الماضي حتى اليوم. جمع المعرض بين أرشيفات شخصية وصور وأعمال فنية، وأتاح للزوار التفاعل مع تاريخ بيروت من خلال الصوت والصورة والنص.

المعرض لم يكن بديلاً للمتحف، بل مكملاً لدوره كمكان لتوثيق الذاكرة، إذ جسّد بصريًا ونفسيًا لحظات مفصلية من ماضي المدينة، من النوادي الليلية إلى الحروب والهجرة، عبر أسلوب روائي غامر. وقد تم تنفيذ المشروع بعد سنوات من التحضير، بإشراف فريق من الفنانين والباحثين اللبنانيين والدوليين.

أهم الأنشطة التي يمكن ممارستها في متحف بيت بيروت

  • زيارة المعارض الدائمة التي تحكي تاريخ بيروت وحربها الأهلية.
  • الاستمتاع بالفعاليات الثقافية والفنية التي تنظم في القاعة متعددة الوظائف.
  • الاستكشاف التفاعلي للأماكن التي كانت تستخدم خلال الحرب الأهلية، مثل ثقوب الرصاص في الواجهة.
  • التعرف على أعمال الترميم والهندسة المعمارية التي أجريت للمبنى.
  • المشاركة في ورش عمل أو محاضرات ثقافية متعلقة بالذاكرة الحضرية.

أهمية “بيت بيروت” في الذاكرة الجماعية

ليس “بيت بيروت” مجرد مبنى مُرمم، بل ذاكرة حجرية حية لمدينة جُرحت ولم تستسلم. تحوّل إلى رمز ثقافي يجمع بين التوثيق والانفتاح، بين الألم والأمل، وهو أحد الأمثلة النادرة على كيف يمكن لمدينة أن تصالح ماضيها من خلال الفن والثقافة. المتحف يقدّم منصة للحوار ولرؤية بيروت لا كضحية للحرب فقط، بل ككيان قادر على البعث والتمسك بالحياة.

معلومات للسياح

ساعات العمل: يفضل التحقق من الجداول الرسمية أو الصفحات التابعة لبلدية بيروت قبل الزيارة.

أسعار التذاكر: غالبًا ما يكون الدخول مجانيًا، لكن من الأفضل الاستعلام مسبقًا.

وسائل النقل: يقع المتحف في منطقة السوديكو، ويمكن الوصول إليه عبر الحافلات أو سيارات الأجرة.

أنشطة إضافية: جولات إرشادية، فعاليات، ومعارض مؤقتة حسب البرنامج الثقافي.

التصوير: التصوير مسموح غالبًا، لكن يستحسن التأكد من التعليمات عند الدخول.

المرافق: يحتوي على مقهى صغير ومتجر للهدايا التذكارية.

نافذة على تاريخ بيروت

“بيت بيروت” ليس مجرد مبنى تاريخي، بل سردية مفتوحة لمدينة تغيّرت كثيرًا وتغيّر سكانها معها. يمثل المتحف نافذة تطل على بيروت كما كانت، وكما لا تزال. هو محاولة لصون الذاكرة، لا للغرق في الماضي، بل لفهمه والعبور من خلاله نحو مستقبل أكثر وضوحًا.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!