بين الأزقة القديمة لوسط عمّان، تقف بناية تحاكي ذاكرتين: ذاكرة المكان وذاكرة المدينة. ديوان الدوق ليس مجرد مبنى أثري، بل مساحة نابضة بالفن والحياة، تربط الحاضر بجذور الأمس.
من أول بريد في البلاد إلى صالون ثقافي معاصر، يحفظ هذا الديوان حكاية عمرها قرن.
جدول المحتويات
إرث معماري يحاكي تاريخ المدينة
في قلب وسط البلد في عمّان، حيث تنبض الشوارع بحكايات الزمن العتيق، يقف “ديوان الدوق” شامخًا كأحد أقدم المباني التي احتفظت بأصالتها وروحها المعمارية الفريدة. بُني هذا الصرح عام 1924 على يد عبد الرحمن باشا ماضي، ليصبح فيما بعد شاهدًا على تحولات المدينة ومعلمًا بارزًا يعكس ملامح عمّان القديمة. حمل المبنى في بداياته دورًا محوريًا، إذ كان أول مقر للبريد الأردني في إمارة شرق الأردن، ثم تحول إلى “فندق حيفا” بعد نكبة عام 1948، ليبقى على مدار عقود مكانًا يعج بالحياة والتاريخ.

إحياء الديوان
أعاد الدوق ممدوح بشارات، المعروف بشغفه بالحفاظ على الإرث المعماري الأردني، إحياء هذا المبنى العريق. فبعد أن كان مهددًا بالاندثار كغيره من البيوت التاريخية، حوّله إلى مركز ثقافي وفني ينبض بالحياة، يحمل اسم “ديوان الدوق”. لم يكن المشروع مجرد ترميم لمبنى قديم. بل كان محاولة لصون ذاكرة المدينة وإحياء روحها من خلال الفنون والثقافة. أصبح الديوان اليوم وجهة تحتضن الشعراء والفنانين والمسرحيين. وتستضيف أمسيات ثقافية ومعارض فنية تروي قصصًا من ماضي الأردن وحاضره.

ملامحه المعمارية
يحمل ديوان الدوق في عمّان في تفاصيله لمسات معمارية فريدة تعكس الطراز العثماني الذي ساد في بلاد الشام خلال القرن العشرين. واجهته ذات الباب الخشبي الأزرق والمقوس الزجاجي تعكس الطابع الكلاسيكي، بينما تزين جدرانه الداخلية طبقات من اللون الأزرق الهادئ، مما يضفي على المكان سكينة خاصة. سقفه المرتفع ونوافذه العريضة تسمح للضوء الطبيعي بأن يتراقص في أرجاء الديوان، في حين أن البلاط المربع بالألوان المتناوبة يضفي لمسة فنية تذكر برقعة الشطرنج. أما الأثاث القديم الذي تم جمعه بعناية من أنحاء مختلفة، فيعكس مزيجًا من الرقي والبساطة التي ميزت عمّان في القرن الماضي.

تجربة استثنائية تعيد إحياء الماضي
زيارة ديوان الدوق في عمّان ليست مجرد جولة في مكان أثري، بل هي رحلة عبر الزمن. منذ اللحظة الأولى لدخولك من بوابته، ستشعر وكأنك تعبر إلى حقبة مختلفة. ستجد نفسك بين جدران تحمل ذكريات عقود مضت، وأثاث قديم يروي قصصًا، وكتب وصحف تاريخية تفتح نافذة على ماضي عمّان العريق. على إحدى الطاولات المستديرة، يمكنك الجلوس والاستمتاع بكوب من الشاي بالنعناع أو القهوة العربية. بينما تتأمل المشاهد المحيطة بك، من اللوحات الفنية النادرة إلى التحف والمخطوطات التي تعكس جانبًا من هوية المدينة الثقافية.

شرفة تطل على نبض عمّان
من شرفة الديوان، تمتد أمام الزائر بانوراما فريدة للمدينة، إذ تتعانق المباني القديمة مع الأسواق الحيوية والشوارع النابضة بالحياة. تلك المشاهد الحيّة تروي حكاية عمّان، حيث تتداخل أصوات الباعة مع وقع خطوات المارة، في لوحة تجمع بين الحداثة والأصالة. تطل الشرفة على قلب المدينة القديمة، حيث تتجاور المحلات التجارية والعمائر التاريخية. ممّا يمنح الزائر لمحة عن الطابع العمراني المميز للعاصمة الأردنية.

وجهة تجمع الفنون والثقافة
اليوم، يعد ديوان الدوق في عمّان واحدًا من أهم المعالم الثقافية في عمّان. حيث يحتضن العديد من الفعاليات الفنية والأدبية، من أمسيات الشعر والموسيقى إلى المعارض التشكيلية والندوات الثقافية. يجتمع في هذا المكان عشاق الفن والتاريخ، ليستمتعوا بتجربة ثقافية استثنائية تعكس روح المدينة. ولعل ما يميز الديوان هو تلك الروح الدافئة التي تمنح الزائر إحساسًا بالحنين. وكأن المكان يهمس له بحكايات الماضي ويمنحه فسحة من التأمل والاسترخاء وسط أجواء مفعمة بالسحر والجمال.

دعوة لاكتشاف سحر الديوان
إن كنت من محبي التاريخ والفنون، فإن ديوان الدوق في عمّان سيكون محطة لا تنسى في رحلتك إلى عمّان. إنه ليس مجرد مبنى تاريخي، بل تجربة فريدة تعكس نبض المدينة وهويتها الثقافية. سواء كنت ترغب في استكشاف الماضي ، أو حضور فعالية فنية، أو قضاء وقت هادئ في أجواء تراثية، فإن هذا الديوان العريق يوفّر تجربة مميزة. ويمنح الزوار فرصة للقاء مع الثقافة والتاريخ في آن واحد.
