متحف ما قبل التاريخ في بيروت: موقع أثري وتراث حي

وسط بيروت الحديثة، في مكان قد لا تتوقعه، ينتظرك متحف مختلف تمامًا. مواده ليست لوحات أو تماثيل .. بل أدوات وحكايات من زمن عاش فيه الإنسان قبل أن تُعرف الحضارات. يوثق متحف ما قبل التاريخ ببيروت رحلة الإنسان منذ بداياته الأولى، ويفتح نافذة تطل على ماضٍ سحيق سبق الفينيقيين.

توثيقٌ لبدايات الإنسان في قلب العاصمة

يقع المتحف في قلب بيروت، داخل حرم جامعة القديس يوسف. يُعد أول صرح متخصص بعصور ما قبل التاريخ في الشرق العربي. افتتح المتحف في يونيو 2000، بعد جهود الآباء اليسوعيين بالتعاون مع متحف اللوفر ومعهد CNRS الفرنسي. يعرض المتحف تطور البشرية منذ ملايين السنين، ويجمع في زواياه آثارًا تسلط الضوء على حياة الإنسان قبل نشوء الحضارات المعروفة في المنطقة.

معروضات تحكي قصة الإنسان الأول

يمتد متحف ما قبل التاريخ في بيروت على طابقين واسعَين. يحتوي على نحو 500 قطعة أثرية منتقاة بعناية من قبل الآباء اليسوعيين. تُعرض هذه القطع داخل 22 واجهة زجاجية. تجسد مشاهد دقيقة من حياة الإنسان القديم، وأساليب عيشه، والأدوات التي صنعها لمواجهة تحديات الطبيعة. تشمل المعروضات أدوات وأسلحة حجرية، مجسمات توضيحية، وخرائط دقيقة. يرافق الزائر شروحات غنية باللغتين العربية والفرنسية، مما يضفي بعدًا معرفيًا رفيعًا على التجربة.

علاوة على ذلك، يعرض المتحف فيلمًا وثائقيًا شيقًا. يُقدم بالفئتين الرسميتين للمتحف. يأخذ الفيلم الزائر في جولة بصرية عبر عصور ما قبل التاريخ في لبنان. كما يستعرض دور لبنان كممر حيوي يربط بين إفريقيا وآسيا وأوروبا.

أهداف سامية ورسالة تتجاوز الجدران

لا يقتصر المتحف على العرض فقط. بل يحمل رسالة علمية وتوعوية واضحة. يهدف إلى تعريف الزوار بآثار لبنان العائدة إلى عصور ما قبل التاريخ. يرفع وعيهم بضرورة الحفاظ على هذا التراث. إذ يمثل شاهدًا على رحلة الإنسان الطويلة.

يركز المتحف اهتمامه بشكل خاص على الشباب وطلاب المدارس. يطلعهم على تاريخ لبنان القديم، عندما كان همزة وصل بين القارات الثلاث. بالإضافة إلى ذلك، يفتح أبوابه للطلاب والباحثين اللبنانيين والأجانب. يوفر مركز بحوث ومكتبة متخصصة تدعم الدراسات العلمية في مجال تاريخ الإنسانية.

معارض وأرشيف يوثق الذاكرة المنسية

يستضيف المتحف طيفًا واسعًا من المعارض والفعاليات التي تفتح آفاقًا جديدة أمام الزوار. من أبرز هذه الفعاليات معرض “تراث داروين” ولوحات فريديريك حسيني. يعرض كذلك أحفورات بحرية نادرة استُخرجت من أعماق سواحل لبنان.

يضم المتحف أرشيفًا صوريًا نادرًا جمعه الباحث هنري فلايش. يوثق الأرشيف آثار الدمار التي ألحقها التمدن الجائر خلال ستين عامًا بمواقع أثرية لبنانية بارزة. تشمل الصور مشاهد من طرابلس، جبيل، طبرجا، خليج جونيه، وأنطلياس. مرورًا بكهوف راس بيروت والناعمة، وصولًا إلى جبال لبنان ووادي البقاع.

يظهر الأرشيف مواقع احتضنت أشباه الإنسان الأوائل منذ مليون عام. سار هؤلاء على قدمين وتركوا بصماتهم في ذاكرة الأرض. جاء ذلك قبل أن يُسطّر الفينيقيون حضارتهم العريقة.

مواعيد الزيارة

يفتح المتحف أبوابه من الثلاثاء إلى الجمعة. تبدأ الزيارة من الساعة 8:30 صباحًا حتى 3:00 بعد الظهر. يتيح هذا الوقت للزائرين فرصة استثنائية للغوص في أعماق التاريخ. حيث ولدت البشرية وتركت أولى آثارها على هذه الأرض.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!