في قلب المدينة القديمة بمراكش، يقف متحف دار السي سعيد شامخًا بين الأزقة الضيقة والقصور العتيقة، حارسًا لذاكرة المغرب الفنية وموروثه الغني. هذا الصرح، الذي يُعرف أيضًا باسم المتحف الوطني للنسيج والزرابي، ليس مجرد مبنى تاريخي، بل تجربة حية تغوص بك في تفاصيل الحياة المغربية كما عاشها الأجداد وتوارثها الأحفاد.
جدول المحتويات
كيف تحوّل القصر إلى متحف ينبض بالحياة؟
شيّد القصر في نهاية القرن التاسع عشر على يد “سعيد بن موسى”، وزير الحربية في عهد السلطان المولى عبد العزيز، وشقيق “با حماد”، أحد أبرز رجالات الدولة حينها. وُلد القصر في زمن الزخارف والأقواس والحدائق المظللة، ليكون مقر إقامة فخمًا يعكس ثراء صاحبه وذوقه الرفيع. ثم، في عام 1932، خصصته المديرية العامة للتعليم والفنون الجميلة والآثار كمتحف للفن القديم وورشات للصناعة التقليدية، ليُخلّد روح الفن المغربي، ويصبح أحد أقدم المتاحف في مراكش.

رحلة بصرية في قلب التراث المغربي
يقدّم متحف دار السي سعيد تجربة فريدة لزواره، حيث تتوزع المعروضات على قاعات متعددة، موزعة بدقة على طابقين، تروي كل واحدة منها حكاية مغربية أصيلة. من أهم ما ستراه:
- الخشب المنحوت والزخارف المعمارية: أبواب ونوافذ تقليدية، صناديق، منابر، وأثاث فخم يعكس براعة النجارين المغاربة وفن التطعيم والنقش على الخشب.
- المنسوجات والزرابي: يضم المتحف كنوزًا من السجاد التقليدي والزرابي البربرية المصنوعة يدويًا، بما في ذلك أكثر من 400 زربية من مختلف مناطق المغرب، تعكس خصوصية كل منطقة من مناطق الأطلس وتافيلالت وسوس والحوز.
- الأزياء والمجوهرات: قفاطين مزينة بخيوط الذهب، جلاليب حريرية، ومجوهرات أمازيغية مبهرة تحمل في طياتها رموزًا ثقافية عميقة.
- الفخار والخزف: قطع فنية مزخرفة بألوان زاهية ونقوش مستوحاة من الطبيعة والدين والأساطير الشعبية.
- الأواني النحاسية: صوانٍ، أباريق، مصابيح، وغيرها من الأدوات التي تحوّلت من مقتنيات يومية إلى تحف فنية.
- أسلحة تقليدية: سيوف وخناجر وبنادق مزينة، تحكي عن الشجاعة والحرفية في آنٍ واحد.
- لقى أثرية نادرة: من بينها حوض مرمري يعود للقرن الحادي عشر الميلادي، يعتبر من أبرز الكنوز الأثرية في المتحف.

وجهة لا تفوّت لعشاق الفن
ليس فقط بسبب معروضاته الفريدة، بل لأن متحف دار السي سعيد ذاته تحفة معمارية تستحق الاكتشاف. يتميّز بفنائه الداخلي المعروف بـ”الرياض”، المحاط بالأشجار والنوافير، في مشهد يفيض بالسكينة والجمال. كذلك، توفّر شرفته العلوية إطلالة بانورامية آسرة على المدينة الحمراء.
هل يمكن أن تستلهم الموضة من متحف؟
لطالما شكّلت الزخارف والمنسوجات المغربية مصدر إلهام للعديد من مصممي الأزياء العالميين، بفضل ألوانها وتفاصيلها الغنية.
أنشطة يمكنك القيام بها خلال زيارتك
- التجول بين القاعات والتعرّف على تنوع الفنون والصناعات المغربية.
- التقاط صور فنية داخل أروقة القصر وحديقته الأندلسية.
- مشاهدة عروض مؤقتة أو معارض حرفية في بعض المناسبات الثقافية.

معلومات تهمك قبل الزيارة
- الموقع: شارع الراضي بن عبد السلام، المدينة القديمة، قرب قصر الباهية وساحة جامع الفنا.
- أوقات الزيارة: يوميًا من الساعة 9:00 صباحًا حتى 5:00 مساءً.
- رسوم الدخول: 30 درهمًا للبالغين، و10 دراهم للأطفال فوق 12 عامًا، مع دخول مجاني للطلبة يومي الأربعاء والجمعة.
- مدة الزيارة المقترحة: من ساعتين إلى ثلاث ساعات.
ماذا تنتظر؟ دع دار السي سعيد يأخذك في رحلة لا تُنسى
سواء كنت عاشقًا للفن، أو هاويًا للتاريخ، أو باحثًا عن الهدوء في قلب الزحام، فإن زيارة هذا المتحف ستمنحك تجربة غنية بالدهشة والجمال والمعرفة. إنه أكثر من مجرد متحف، بل هو رواية مكتوبة بالألوان والخشب والنسيج، تهمس لك بأسرار حضارة لا تزال تنبض بالحياة في كل زاوية من زواياه.
