متحف البطحاء في فاس: متحف الفنون الإسلامية الذي يروي تاريخ المغرب

يمثل متحف البطحاء في مدينة فاس واحدًا من أبرز الرموز الثقافية في المغرب، وهو وجهة لا غنى عنها لعشاق الفنون التقليدية والحرف اليدوية الأصيلة. في قلب المدينة العتيقة، ينبض هذا المعلم بالحياة، جامعًا بين عراقة التاريخ وجمال الفن المغربي. تحوّل القصر الملكي الذي شيّده السلاطين إلى متحف يحتفي بجماليات الحرف والتراث المغربي، محافظًا على روحه الأصيلة ومتجددًا برؤية معاصرة.

موقع استراتيجي وتاريخ ملكي عريق

يقع متحف البطحاء في قلب المدينة القديمة بفاس، على مقربة من المدرسة البوعنانية وجامع القرويين، مما يجعله نقطة انطلاق مثالية لاكتشاف معالم المدينة التاريخية.

بُني القصر بأمر من السلطان مولاي الحسن الأول في أواخر القرن التاسع عشر، وتم استكماله في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، ليُستخدم كمقر صيفي ملكي. في عام 1915، تحوّل المبنى إلى متحف يُعنى بالحرف والفنون التقليدية المغربية. وقد حظي هذا الصرح بمكانة وطنية منذ عام 1924 حين تم تصنيفه كمعلم تاريخي، ليحافظ على ذاكرة المغرب الحرفية والفنية.

المساحة والهيكل العام للمتحف

يمتد متحف البطحاء على مساحة شاسعة تتخللها حديقة داخلية مزينة بالأشجار والزهور المغربية. ويضم المتحف مجموعة كبيرة تزيد عن 6,000 قطعة، تتوزع بين قاعات عرض مصممة بروح هندسية مغربية تقليدية.

تتنوع المعروضات بين السيراميك، النسيج، المجوهرات، المصنوعات الخشبية، والمنسوجات، ما يعكس ثراء الحرف المغربية وتنوعها عبر العصور. وتُعرض هذه القطع ضمن بيئة متحفية تدمج بين الطابع التقليدي وأحدث تقنيات العرض.

المعروضات: فنون تتحدث بلغة التراث

ينقسم المتحف إلى أقسام متخصصة تعكس تنوع الإبداع المغربي:

الفنون الإسلامية: يضم المتحف مخطوطات نادرة، وزخارف معمارية، وأعمالًا فنية تعكس الهوية الإسلامية المغربية. الحرف التقليدية: من الفخار اليدوي إلى المنسوجات المطرّزة، ومن السجاد التقليدي إلى النقوش على الخشب، يستعرض المتحف مسار الحرف اليدوية وتطورها في الحياة اليومية. الفن المعاصر: رغم التركيز على التراث، يخصص المتحف مساحة لعرض أعمال فنية حديثة لفنانين مغاربة وعالميين، تعبيرًا عن تواصل الأجيال الفنية بين الماضي والحاضر

ترميم شامل أعاد للمكان بريقه

ابتداءً من أبريل 2019، خضع المتحف لمشروع ترميم كبير استمر قرابة أربع سنوات، شمل تعزيز البنية التحتية وإعادة تأهيل الزليج والجبس والخشب، وإدخال تقنيات عرض تفاعلية تحترم الطابع الأصيل للمكان.

في فبراير 2025، أعيد افتتاحه رسميًا باسم “متحف البطحاء للفنون الإسلامية”، ليواكب المعايير الحديثة في عرض الفنون، ويستقبل الزوار برؤية جديدة تحفظ ذاكرة الماضي وتواكب تطلعات المستقبل.

الأنشطة والفعاليات

يتجاوز دور المتحف كونه فضاءً للعرض، إذ يوفر أنشطة متنوعة تتيح للزوار التفاعل مع التراث المغربي.

تشمل هذه الأنشطة ورشًا في الحرف اليدوية مثل الفخار، الزخرفة، الخط العربي، والرسم التقليدي، إضافة إلى معارض مؤقتة لفنون معاصرة تمزج بين الأصالة والتجريب.

كما يقدّم المتحف برامج تعليمية موجهة للأطفال واليافعين، بهدف ترسيخ الثقافة المغربية في الأجيال الجديدة.

تجربة الزائر: بين الجمال المعماري وسحر الحكاية

زيارة متحف البطحاء ليست مجرّد جولة ثقافية، بل هي رحلة حسية وذهنية عبر الزمن.

يعبر الزائر بين القاعات المزينة بنقوش مغربية، ويكتشف قصص القطع الفنية، كما يمكنه المشاركة في الورش المفتوحة أو الفعاليات الثقافية التي تنظم دوريًا في باحات المتحف.

الحدائق والمرافق

يضم المتحف حديقة مغربية تقليدية تمنح الزائر لحظات من الاسترخاء وسط الأشجار والزهور، في أجواء تجمع بين سكينة الطبيعة وأناقة التصميم.

تعد هذه المساحة الخضراء امتدادًا لتجربة المتحف، حيث يمكن للزائر التأمل أو التقاط الصور بعيدًا عن ضوضاء المدينة.

ماذا تفعل بعد زيارة المتحف؟

عقب زيارتك للمتحف، يمكنك استكشاف مجموعة من المعالم المذهلة التي تقع على مسافة قريبة، مثل:

جامع القرويين: أحد أقدم جامعات العالم الإسلامي وأكثرها تأثيرًا. المدرسة البوعنانية: تحفة معمارية تجمع بين الفن والهندسة الإسلامية. الأسواق التقليدية: حيث تعرض منتجات الحرف المحلية من جلود، نسيج، وسجاد يدوي.

أصالة في قلب فاس

يُعد متحف البطحاء للفنون الإسلامية في فاس رمزًا للهوية المغربية، حيث يلتقي التاريخ بالفن في تناغم يثري الذاكرة الجماعية للزوار.

من خلال معروضاته وأنشطته وموقعه المميز، يقدم المتحف تجربة متكاملة تُظهر عمق الثقافة المغربية وتنوعها.

إذا كنت تنوي زيارة مدينة فاس، فاجعل هذا المتحف محطة رئيسية في خطتك. ستخرج منه محمّلاً بالإلهام، وبصورة أعمق عن تاريخ المغرب وفنونه الخالدة.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!