كنيس ابن دهان: معلم تاريخي في قلب فاس

يعد كنيس ابن دهان من أقدم وأهم المعابد اليهودية في مدينة فاس القديمة بالمغرب. بُني في القرن السابع عشر بأمر من السلطان الرشيد بن علي الشريف، الذي سعى إلى تعزيز التجارة والنشاط الاقتصادي في المدينة عبر جذب اليهود إليها. يقع الكنيس في حي الملاح، الذي كان يعد مركزًا ثقافيًا ودينيًا كبيرًا للجالية اليهودية في فاس. وشهد في فترات متعددة توافد الحرفيين والتجار من أصول يهودية ممن ساهموا في النشاط الحِرَفي والاقتصادي للمدينة.

تاريخ طويل مع التحديات

مرّ كنيس ابن دهان بتحديات كبيرة على مر السنين، أبرزها التقلص المستمر للجالية اليهودية في المدينة، خاصة بعد منتصف القرن العشرين. وقد أدى هذا التراجع إلى توقف النشاط الديني فيه لفترات طويلة، واقتصر وجوده على بعد رمزي وتراثي. إلا أن الكنيس ظل قائمًا كجزء من النسيج التاريخي للحي اليهودي، وكمعلم يحمل بصمة مرحلة تاريخية عاشتها فاس.

في أواخر التسعينيات، تم إطلاق مبادرة ترميم شملت كنيس ابن دهان ضمن برنامج أوسع لترميم المعالم التاريخية لفاس. حيث جرى ترميمه في عام 1996 بتمويل من أمريكان إكسبريس، وبالتعاون مع الحكومة المغربية ومؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي. وقد أعيد افتتاحه في عام 1999 ليُتاح للزوار كجزء من المسار السياحي للمدينة القديمة.

العمارة والتصميم الفريد

يمزج الكنيس بين العناصر التقليدية المغربية والتصاميم المرتبطة بطقوس الديانة اليهودية. فهو يحتفظ بخزائن التوراة المزخرفة المحاطة بنقوش جصية دقيقة، بالإضافة إلى استخدام الزليج التقليدي الذي يزين الجدران والأرضيات بألوان متعددة، أبرزها الأبيض والأزرق والأخضر. وتبرز المنصة الخشبية التي يقرأ منها، وهي مزيّنة بزخارف هندسية بسيطة، كعنصر معماري يميز المعابد اليهودية المغاربية.

توثيق لتقاليد الطقوس القديمة

من اللافت أن كنيس ابن دهان لا يزال يحتفظ بجزء كبير من تجهيزاته الأصلية، ممّا يجعله مثالًا نادرًا لمعابد تلك الفترة. تشمل هذه التجهيزات “التيفاه” (منصة الصلاة) والمحراب والشمعدانات التقليدية. كما يوجد باب جانبي صغير يؤدي إلى باحة الكنيس الداخلية، التي تفتح على قاعة صلاة مكونة من صفوف خشبية بسيطة، تعكس تواضع المكان واستخدامه في طقوس كانت تمارس بانتظام لعقود مضت.

زيارة للتراث الثقافي والتاريخي

اليوم، يعد كنيس ابن دهان وجهة سياحية ومعلمًا ثقافيًا ضمن المدينة العتيقة لفاس. زيارته لا ترتبط بممارسة دينية، بل تأتي ضمن مسارات توثيق التراث الحضاري المتنوع للمغرب. حيث يشكل شاهدًا على التفاعل التاريخي بين مختلف مكونات المجتمع الفاسي. وقد تم إدراجه ضمن مجموعة من المواقع التي تسعى السلطات المغربية إلى المحافظة عليها باعتبارها جزءًا من الذاكرة التاريخية المشتركة.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!