قصر العبد في عراق الأمير: مزيج بين الفخامة والهندسة الهلنستية

يقع قصر العبد جنوب بلدة عراق الأمير، على بعد 35 كم غرب عمان، ليقف شامخًا كواحد من أبرز المواقع الأثرية في الأردن. يعود تاريخ بناء هذا القصر إلى العصر الهلنستي في القرن الثاني قبل الميلاد، حيث يعتقد أن هركانوس، أحد أفراد أسرة طوبيا العمونية، كان وراء بناء هذا المعلم التاريخي المميز. يعتبر القصر مثالًا نادرًا على تأثيرات الفن الهلنستي في المنطقة. حيث يعكس تصميمه الفريد والتفاصيل المعمارية التي تتناغم مع روح العصر الذي شهدته الأرض الأردنية في ذلك الوقت.

التصميم المعماري

يمتد قصر العبد في عراق الأمير على طول 38 مترًا وعرض 18 مترًا. وهو مبني من الحجر بشكل ضخم يعكس عظمة الزمن الذي تم بناؤه فيه. يتكون القصر من طابقين؛ الطابق السفلي كان مخصصًا للخزائن وقاعات الحرس، في حين بقي الطابق العلوي غير مكتمل بسبب وفاة هركانوس، الذي يعتقد أنه انتحر بعد تهديدات من الجيش السلوقي. على الرغم من الأضرار التي تعرض لها القصر جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة في عام 363م، إلا أن معالمه المعمارية ظلت تحتفظ بجمالها.

القصر محاط بحوض مائي كان يُملأ من الينابيع المجاورة، ما يضفي عليه طابعًا خاصًا من التميز، حيث تم تصميم هذا النظام المائي بما يتلاءم مع فنون العمارة الهلنستية. و بالإضافة إلى ذلك، يعكس القصر قوة هركانوس من خلال التماثيل الضخمة التي تزينه. و خاصة تماثيل النسور والأسود، التي تبرز القوة والعظمة.

التاريخ: بين الواقع والرمزية

يرتبط قصر العبد ارتباطًا وثيقًا بعائلة طوبيا العمونية. وهي العائلة التي يعتقد أنها أسست هذا القصر في القرن الثاني قبل الميلاد. وقد عُثر في المنطقة على نقوش آرامية تشير إلى هذه العائلة، ما يعزز من أهمية الموقع التاريخية. القصر يذكر في العديد من المصادر التاريخية، ومنها المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس، الذي أشار إليه في سياق وصفه لتاريخ المنطقة.

وفقًا للمؤرخين، كان هركانوس شخصية بارزة في تلك الحقبة، وعاش في زمن الملك سلقوس الرابع. تشير الروايات إلى أن هركانوس غادر البلدة بعد صراعه على السلطة، لينتقل إلى شرق نهر الأردن. وفي عام 175 قبل الميلاد، انتهت حياته بشكل مأساوي، حيث انتحر نتيجة الضغوط العسكرية والسياسية التي تعرض لها.

الترميم والصيانة

رغم تعرض قصر العبد في عراق الأمير لعديد من التحديات الطبيعية، مثل الزلزال المدمر في عام 363م، تم بذل جهود كبيرة للحفاظ على هذا المعلم التاريخي. بين عامي 1979 و1985، أجرى فريق فرنسي بقيادة الأثري إرنست ويل والمعماري فرانسوا لارشيه ترميمًا جزئيًا للقصر، وهو العمل الذي ساهم في إعادة هيكلة العديد من الأجزاء المتضررة. وفي عام 2018، تم تجديد القصر مجددًا، مع إضافة ممرات ولافتات إرشادية لتحسين تجربة الزوار.

زيارة قصر العبد: رحلة عبر الزمن

يعد قصر العبد في عراق الأمير اليوم وجهة سياحية مثيرة. حيث يمكن للزوار استكشاف بقايا القصر والتمتع بمشاهد نقوشه الرائعة وتماثيله المدهشة. لا يمكن لأي سائح زيارة هذا الموقع التاريخي إلا ويتأثر بجوهره الثقافي والمعماري، الذي يعكس التاريخ الغني للأردن وأهمية هذا القصر في العصور القديمة. سواء كنت من محبي التاريخ أو من عشاق العمارة، فإن زيارة قصر العبد تعد رحلة لا تنسى إلى الماضي.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!