يقع سوق البخارية في وسط العاصمة الأردنية عمّان. يتخذ مكانه مقابل ساحة المسجد الحسيني الكبير. ويُعد هذا السوق من أقدم الأسواق في المدينة فقد تأسس عام 1925، وذلك على يد الشيخ كمال الدين البخاري. قدم الشيخ من بخارى في أوزبكستان، وكان برفقته عدد من التجار الذين سلكوا طريق الحج التجاري عبر الجزيرة العربية.
كان الموقع الأصلي للسوق عند بداية شارع بسمان الحالي. إلا أنه انتقل إلى موقعه الحالي في عام 1942. جاء ذلك بعد أن اندلع حريق في الموقع الأول، مما استدعى نقله إلى داخل عمارة فوزي المفتي في شارع الملك طلال.
جدول المحتويات
عراقة الاسم وأصول التجار
يرتبط اسم سوق البخارية في عمّان بمدينة بخارى التاريخية في أوزبكستان. كانت بخارى مركزًا مزدهرًا على طريق الحرير. عُرفت بتقاليدها التجارية المتنوعة. من هناك جاء الشيخ كمال الدين البخاري، حاملاً معه خبرات واسعة في تجارة المنسوجات والعطور والمجوهرات.
استقر هؤلاء التجار في عمان. وقد أسهموا في إرساء نواة اقتصادية وثقافية واضحة. إلى اليوم، لا تزال بعض العائلات الأردنية تحتفظ بأسماء تجارية مستوحاة من أصولها البخارية. هذا الإرث يعطي السوق هوية فريدة لا تتكرر.

مزيج من التراث والتجارة
يعرف سوق البخارية في عمّان بأجوائه التي تجمع بين عبق الماضي ونبض الحاضر. تصطف المحلات التقليدية في ممراته الضيقة. وتُعرض فيها مجموعة واسعة من المنتجات التراثية. يجد الزوار تحفًا شرقية، ومنسوجات مطرزة، وأدوات موسيقية تقليدية. كذلك تتوفر إكسسوارات، وعطور، ومستلزمات خياطة وتطريز. إضافة إلى ذلك، هناك مجوهرات تحمل طابعًا تقليديًا خاصًا.
ما يميز السوق هو توفر بضائع نادرة. كثير من هذه البضائع لا تتوفر في باقي أسواق عمان. نتيجة لذلك، يعتبر السوق وجهة مفضلة للباحثين عن الأصالة. تتميز المحلات بواجهات خشبية ونقوش لم تتغير منذ خمسينيات القرن الماضي. في المقابل، يزوره الفنانون والمهتمون بالديكور السينمائي. فهم يبحثون عن قطع تكمّل مشاهد مستوحاة من التراث العربي.

أصالة السوق وروابطه الاجتماعية
لا تقتصر أهمية السوق على التجارة فقط. بل يمتاز أيضًا بعلاقات اجتماعية متينة بين التجار. هؤلاء التجار ورثوا محالهم من آبائهم وأجدادهم. على الرغم من التغييرات الكبيرة التي شهدتها عمان، فإن السوق لا يزال يحتفظ بطابعه التقليدي وروحه الأصيلة. أزقته الضيقة وحجارته القديمة تحكي حكايات من زمن جميل.
إضافة إلى ذلك، هناك ترابط واضح بين التجار وزبائنهم. كثير من العائلات الأردنية لا تزال تزور السوق بشكل دائم. هذا التردد المستمر يرسّخ العلاقة بين الأجيال ويغذّي روح المكان.
ذاكرة السوق
في الماضي، كان سوق البخارية في عمّان محاطًا بالبساتين الخضراء. امتدت هذه البساتين على جانبي سيل عمان. كانت المياه تتدفق بغزارة دون انقطاع. كما وُجدت عيون ماء تنبع من وادي عبدون ومنطقة رأس العين. تلك الأجواء الطبيعية أضفت على السوق طابعًا فريدًا. كما لعب السوق دورًا في الحياة الاجتماعية للمدينة. فقد كان مركزًا للاحتفالات الوطنية والمناسبات العامة. كانت هذه الفعاليات تُقام بعفوية. وتزيّنت المحلات بالألوان، وارتفعت أصوات الباعة بنداءات مألوفة. نتيجة لذلك، أصبح السوق جزءًا من ذاكرة أهل عمّان. كثير منهم يعتبرونه طقسًا أسبوعيًا متجددًا.

تحديات السوق في وجه الحداثة
رغم تمسّك سوق البخارية في عمّان بروحه التقليدية، إلا أنه يواجه اليوم تحديات حقيقية. تتزايد هذه التحديات مع تطور المجمعات التجارية الحديثة. في المقابل، تغيّرت عادات المستهلكين واهتماماتهم.
مع ذلك، يحاول تجار السوق التكيّف. فقد بدأوا باستخدام وسائل الدفع الإلكترونية. كما وسّعوا عروضهم لتلائم حاجات السياح والزوار العصريين، وحافظوا على جودة المنتجات وأصالتها. وهناك مبادرات حكومية ومدنية تهدف إلى حماية هوية السوق. تسعى هذه المبادرات إلى تعزيز السياحة الثقافية وجذب الزوار.
سوق البخارية اليوم
رغم التحولات العمرانية، ما زال سوق البخارية في عمّان يحتفظ بمكانته. يعد من أبرز معالم عمان القديمة. يزوره من يبحث عن لمسة من تاريخ المدينة. وكذلك من يفتش عن أصالة الأسواق التقليدية. السوق ليس مجرد مكان للبيع والشراء، بل هو سجل حي لذاكرة العاصمة.