وسط الجهة الغربية لمراكش، حيث يتناغم عبق الماضي مع سكون الطبيعة، تمتد حدائق المنارة كتحفة تاريخية ونفسية، تُلهم الزائر بجمالها البسيط وعمقها الحضاري. ليست مجرد مساحة خضراء، بل هي أرشيف حيّ لحضارات متعاقبة، وفصول نابضة من ذاكرة المدينة الحمراء، تعكس روحًا مغربية أصيلة تحت ظلال أشجار الزيتون.
جدول المحتويات
من عبد المؤمن إلى محمد الرابع: حكاية عبر القرون
بدأت حكاية حدائق المنارة في عام 1157م، عندما أسّس السلطان عبد المؤمن الموحدي هذه الحديقة الشاسعة التي تمتد على أكثر من 100 هكتار، لتكون بستان زيتون يُغذي المدينة ويُروّيها. ولأن لكل معمار حكمة، أنشأ الموحدون خزانين كبيرين للمياه، أحدهما لا يزال قائمًا حتى اليوم، واستخدموه لتدريب الجنود على السباحة فقط.
ثم جاء العهد السعدي في القرن السادس عشر، فأعاد تأهيل الحدائق، لتصل ذروتها المعمارية في القرن التاسع عشر مع العلويين، تحديدًا في عهد محمد الرابع، الذي أمر بتوسعة المساحات، وتحسين أنظمة الري، وبناء الجناح الملكي الذي يُعرف اليوم بـ”المنارة”.

سر اسم “المنارة”
تتعدد الروايات حول أصل التسمية، لكن أبرزها يرتبط بالجناح الملكي الجميل الذي يزين طرف البركة. هذا الجناح المكوّن من طابقين وسقف هرمي أخضر، يبدو وكأنه “منارة” ترشد الناظر وسط هذه الواحة. بعضهم يربط الاسم أيضًا بمئذنة جامع الكتبية القريبة التي شيّدها نفس السلطان.
تصميم مغربي بروح أندلسية
بين الخطوط الهندسية المتناسقة ، تستقر بركة مائية مستطيلة تُعرف بـ”الصهريج” في قلب الحديقة، تعكس سماء مراكش وجبال الأطلس الكبرى التي تلوح في الأفق. على أطراف البركة، تنتشر أشجار الزيتون المعمرة، التي توفّر أماكن للظل والراحة وسط الطبيعة.
أما الجناح الملكي، فيُجسّد روعة العمارة المغربية: طابق سفلي منزلي، وطابق علوي بشرفة بانورامية، وسقف من القرميد الأخضر الكلاسيكي، الذي يستحضر تقاليد الحدائق الأندلسية الملكية.

كيف تعمل حدائق المنارة كنظام بيئي حي؟
حدائق المنارة ليست مجرد موقع ترفيهي، بل هي رئة خضراء حيوية في قلب مراكش، حيث تعمل على تنقية الهواء وتلطيف حرارة الصيف. كما تعتمد الحديقة على نظام ري تقليدي يعرف بـ”الخطارات”، حيث تنقل المياه عبر قنوات تحت الأرض من مناطق مرتفعة لتسقي البساتين دون انقطاع و بذلك تعد نموذجًا ذكيًا في إدارة الموارد الطبيعية، يعكس تقاليد مستمرة حتى اليوم.

أنشطة لا تفوّت في قلب الطبيعة
زيارة حدائق المنارة ليست مجرد نزهة، بل تجربة حسية وروحية تتنوع في كل زاوية من زوايا الحديقة:
- التنزه والاسترخاء: امشِ بين ممرات الحديقة المرصوفة. ودع خطواتك تتناغم مع ظلال الزيتون وهمسات الريح.
- التصوير الفوتوغرافي: التقط مشهد انعكاس الجناح على سطح البركة، وخلفه جبال الأطلس، صورة تليق ببطاقة بريدية.
- مشاهدة الغروب: لحظة الغروب في المنارة سحر لا يقاوم. حيث تتلوّن السماء بأطياف وردية وذهبية تخطف الأنفاس.
- زيارة الجناح الملكي: حتى وإن لم يكن الدخول متاحًا دائمًا، يكفيك تأمل تفاصيله المعمارية الرائعة من الخارج.
- التعرف على أنظمة الري التقليدية.
- التفاعل مع الحياة المحلية: ستلتقي بالعائلات المغربية التي ترتاد الحديقة لقضاء أوقات ممتعة، وتبادل لحظات من البساطة والألفة.

معلومات تهمك قبل الزيارة
- الموقع: تقع الحديقة على بعد 3 كيلومترات غرب أسوار مراكش، في منطقة يسهل الوصول إليها.
- الدخول: مجاني لجميع الزوار.
- أوقات الزيارة: تفتح يوميًا، وأفضل الأوقات للزيارة هي الصباح الباكر أو بعد الظهيرة لتفادي حرارة الشمس.
- المرافق: توجد بعض المقاهي الصغيرة والباعة المتجولين.
- وسائل النقل: يمكنك الوصول عبر سيارات الأجرة أو الحافلات المحلية بكل سهولة.

لماذا لا تفوّت زيارة حدائق المنارة؟
لأنها ليست مجرد معلم تاريخي أو حديقة جميلة، بل هي تجربة مغربية متكاملة تمتزج فيها الهندسة، والطبيعة، والروح، والذاكرة. هي المكان الذي يمكنك فيه أن تهرب من صخب المدينة دون أن تخرج منها، أن تعيش لحظة من التأمل في حضن التاريخ، بينما يحمل لك النسيم رائحة الزمن.