في قلب العاصمة بيروت، تقف المكتبة الوطنية اللبنانية شامخةً كواحدة من أعرق الصروح الثقافية، شاهدة على تاريخ لبنان الفكري وذاكرته الحية. تأسست هذه المكتبة العريقة في الثامن من ديسمبر عام 1921، كمؤسسة عامة غير ربحية تهدف إلى جمع وحفظ النتاج الفكري اللبناني والعربي، لتكون بيتًا للمعرفة ومورداً علميًا وثقافيًا مفتوحًا أمام الباحثين والعامة على حد سواء.
جدول المحتويات
بدايات التأسيس وملامح التاريخ
انطلقت نواة المكتبة الوطنية بتبرع سخي من الفيكونت فيليب دي تارازي، لتحتضن منذ نشأتها كنوز الكتب والمخطوطات والدوريات. وفي عام 1924، ومع صدور قانون الإيداع، بدأت المكتبة بجمع نسخة من كل ما يتم طبعه في لبنان، حتى بلغ رصيدها نحو 200 ألف وثيقة بحلول عام 1975.
إلا أن نيران الحرب الأهلية اللبنانية لم ترحم هذا الصرح الثقافي، فقد تعرضت محتوياته للنهب والتلف، وأغلقت أبوابه لفترة طويلة وتم نقل مجموعاته إلى مبنى مؤقت داخل حرم الأونيسكو، في محاولة لحماية ما تبقى من ذاكرة الوطن.

نهوض جديد بدعم دولي
مع بزوغ فجر الألفية الجديدة، بدأت رحلة إحياء المكتبة مجددًا، وخضعت لمشروع ترميم شامل أشرفت عليه لجنة خاصة برئاسة وزير الثقافة. تم نقل المكتبة إلى مبنى كلية الحقوق في منطقة الصنائع، حيث استأنفت دورها كمركز ثقافي بارز في بيروت. وافتتحت مقرها الحالي في منطقة الصنائع في بيروت، لتستعيد المكتبة ألقها وتفتح أبوابها من جديد أمام روّاد الفكر والمعرفة.
كنوز معرفية تحفظ الذاكرة
تزخر المكتبة الوطنية اللبنانية بمجموعات غنية ومتنوعة تشكل رافدًا أصيلًا للثقافة والمعرفة، حيث تحتضن:
- مخطوطات عربية وإسلامية نادرة تعود لقرون مضت
- كتبًا نادرةً يصل بعضها إلى القرن السادس عشر
- دوريات لبنانية وعربية قديمة توثق تاريخ الصحافة في المنطقة
- الأرشيف الوطني اللبناني الذي يحفظ بين طياته وثائق تاريخية هامة
ولا تقتصر مقتنيات المكتبة على المطبوعات، بل تسعى جاهدةً إلى جمع الإنتاج السمعي والبصري اللبناني، بما في ذلك أرشيف تلفزيون لبنان والمكتبة السينمائية، بالإضافة إلى حفظ الموسيقى والصور والبطاقات والملصقات التي توثق الذاكرة الثقافية للبلاد.
رؤية مستقبلية نحو التخصص والريادة
تطمح المكتبة الوطنية إلى أن تكون مركزًا علميًا متخصصًا في مهن الكتاب والمكتبات، من خلال توفير مصادر تدريبية وبرامج لتبادل الخبرات، بما يسهم في دعم الكفاءات اللبنانية المتخصصة في هذا المجال الحيوي. كما تواصل اللجنة المشرفة جهودها لحصر الإنتاج الفكري المفقود منذ عام 1975، مع دعوة اللبنانيين في الخارج للمساهمة في إثراء المكتبة بإصداراتهم ومؤلفاتهم.

فعاليات ثقافية تنبض بالحياة
تتحول أروقة المكتبة إلى مساحة نابضة بالثقافة والحياة. حيث تستضيف على مدار العام معارض فنية وتاريخية وأدبية. هذا إلى جانب المحاضرات والندوات التي تجمع المفكرين والباحثين من مختلف أنحاء العالم. كما تنظم ورش العمل المتخصصة في مجالات الحفظ والترميم والتصوير، إضافةً إلى الفعاليات الموسيقية والعروض الفنية التي تثري المشهد الثقافي اللبناني.
زيارة المكتبة: تجربة معرفية لا تنسى
إذا كنت من عشاق التاريخ والثقافة، فلا تفوّت زيارة هذا المعلم الثقافي الفريد. استمتع بالتجول بين رفوف الكتب وكنوز المخطوطات، واغتنم فرصة المشاركة في فعالياتها المتنوعة التي تفتح أمامك نوافذ على الماضي والحاضر.
الخدمات المتوفرة
الدخول مجاني، وتتوفر خدمات الإنترنت اللاسلكي، والتصوير والطباعة، والإعارة.
ذاكرة وطنية حية
المكتبة الوطنية اللبنانية ليست مجرد مبنى، بل ذاكرة وطنية حية تنبض بالحياة والمعرفة. ووجهة سياحية وثقافية تستحق أن تكون جزءًا من كل رحلة إلى بيروت.
وجهة أخرى ستثير فضولك: حي الجميزة .. ذاكرة بيروت وسحرها العتيق