الأشرفية .. قلب بيروت النابض بين التاريخ والحداثة

الأشرفية، تلك الرقعة التي شهدت تحولات كثيرة، لا تزال تحتفظ بأسرار وجوهها وتاريخها العميق. خلف كل زاوية فيها قصة، تحمل بين جدرانها ماضيًا نابضًا بالحياة وحاضرًا يتشكل باستمرار. في مقالنا التالي، ستجد المزيد من التفاصيل التي تسرد رحلة هذا الحي بين الماضي والحاضر

موقع متميز وتسمية شاهدة على العراقة

على تلة مرتفعة في شرق بيروت، تتربع منطقة الأشرفية، أحد أبرز الأحياء السكنية والتجارية في العاصمة اللبنانية. جاء اسمها من طبيعتها الجغرافية، إذ تعني كلمة “الأشرفية” في العربية “المكان العالي المشرف”، في دلالة دقيقة على إطلالتها الساحرة التي تحتضن المدينة القديمة وتمتد نحو البحر. عرفت الأشرفية قديمًا بهضبة ديمتري، وظهر اسمها قبل نحو سبعة قرون، ويرجّح أن تسميتها تعود إلى الأشرف خليل.

منطقة أرستقراطية وتاريخ خالد

عبر العصور، جذبت الأشرفية العائلات الأرستقراطية البيروتية من الطائفتين المسيحية الأرثوذكسية والأرمنية، التي امتلكت الأرض وحكمت البلاد لقرون. ومن بين هذه العائلات العريقة آل سرسق وتويني وبسترس وطراد وداغر، الذين شيّدوا قصورهم وسط الحدائق والبساتين. وقد سحر الشاعر الفرنسي لامارتين بجمال هضبة مار متر المغطاة بأشجار التوت، ما أضفى على المنطقة هالة من السحر والجمال.

ومع مرور الزمن، شهدت الأشرفية ازدهارًا عمرانيًا واجتماعيًا، فارتفعت فيها الكنائس والمدارس، مثل كنيسة سان ديمتري الشهيرة بمقبرتها، وكنيسة القديس يوسف التي أصبحت مركز مطرانية بيروت المارونية منذ عام 1878. وظهرت أحياء بارزة كحي السيوفي وحديقته العامة، وحي السراسقة الذي اشتهر بقصور العائلات المرموقة.

التحول العمراني

تحولت الأشرفية تدريجيًا من ضاحية بيروتية إلى حي رئيسي اندمج عمرانيًا وإداريًا في جسد العاصمة، محتفظة فقط بحي “كرم الزيتون” الذي ما زال يحتفظ بالاسم الزراعي دون المضمون. ومع هذا التحول، فقدت الأشرفية دورها كمنتجع صيفي لأهالي بيروت الذين اتجهوا لاحقًا إلى المصايف الجبلية.

الأشرفية اليوم

اليوم، تقف الأشرفية شامخة تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر. تتسم شوارعها بكثافة المباني السكنية والمكتبية، وتحتضن مزيجًا فريدًا من العمارة الكلاسيكية التي تعود إلى حقبة الانتداب الفرنسي وناطحات السحاب الحديثة. وتبرز ساحة ساسين كنقطة التقاء نابضة بالحياة، تزدحم بالمقاهي والمحال التجارية والبنوك، لتكون القلب النابض للمنطقة.

وتُعرف الأشرفية بأنها واحدة من أهم مراكز التسوق في لبنان، إذ توفر خيارات واسعة بين المولات الفاخرة والأسواق التقليدية التي تعكس روح بيروت القديمة. كما أنها مقصد للباحثين عن الترفيه والاسترخاء، بفضل ما تضمه من مطاعم ومقاهٍ تقدم أشهى الأطباق اللبنانية والعالمية، بالإضافة إلى الحدائق والمساحات العامة، فضلاً عن قربها من الشواطئ التي تمنح الزائر تجربة بيروتية متكاملة.

الأشرفية .. قصة بيروت

الأشرفية ليست مجرد حي سكني في بيروت، بل مرآة حية تعكس تحولات المدينة بين الماضي والحاضر. من قصور العائلات الأرستقراطية وكنائسها العتيقة إلى شوارعها الحديثة وأسواقها النابضة، تروي الأشرفية قصة بيروت بكل فصولها؛ قصة عشق بين الإنسان والمكان، بين التاريخ والحياة.

اذا اعجبك هذا المقال ، لا تتردد في مشاركته مع اصدقائك!